الشيخ والبحر – أرنست همنغواي

10/04/2019 عند 21:34 | أرسلت فى كـتـب وروايـات | أضف تعليق

الشيخ والبحر

رواية: الشيخ والبحر
لمؤلفها: إرنست همنغواي

“وقال لنفسه:

إنك لم تقتل السمكة فقط من أجل أن تعيش، ولتبيعها كغذاءٍ للناس، وإنما إرضاءً لكبريائك واعتدادك بنفسك، ولأنك صياد… لقد أحببتَها وهي حية، وأحببتَها بعد أن فارقت الحياة، وإذا كنت تحبها فهل قتلك لها يعدُّ خطيئة؟ أو أن ذلك شيءٌ أكبر من الخطيئة؟”

=====

إن رواية (الشيخ والبحر) أو (العجوز والبحر) هي روايةٌ غنيةٌ عن التعريف، وهي من الروايات التي فازت بجائزة نوبل في خمسينيات القرن الماضي، وقد أتيح لي أن أقرأها كاملةً هذا اليوم في أثناء طريق العودة من مراكش إلى طنجة.

كنت أعرف قصة الرواية من قبل، وهي واحدةٌ من أبسط القصص وأكثرها عمقاً في الوقت نفسه! فليس في الرواية إلا شخصيةٌ واحدةٌ رئيسية، وليس فيها أكثر من حدثٍ واحدٍ رئيسيٍّ ربما تخلَّلته بين الفينة والفينة بعض الذكريات العابرة، لكنه يظل حدثاً واحداً يعرفه كل من قرأ الرواية أو قرأ عنها، ولعل كل واحدٍ منا يجد نفسه، أو جزءاً من نفسه، في قصة (العجوز والبحر) المؤثرة بعمق…

إنها – باختصار – قصة صيادٍ عجوزٍ طاعنٍ في السن، ومحتفظٍ بقوته رغم ذلك، ولم يكن قد اصطاد سمكةً منذ أكثر من ثمانين يوماً، ثم عقد العزم على الإبحار بعيداً لاصطياد سمكةٍ كبيرة، وكان له ما أراد، واصطاد في عرض البحر سمكةً عملاقةً يفوق حجمها حجم مركبه، مما اضطره لترويضها إلى مصارعتها صراعاً شديداً امتدَّ أياماً بلياليها كي يسحبها إلى سطح البحر، وتم له ذلك بعد جهدٍ مرير، واستطاع أخيراً أن يغرس رمحه فيها ويرديها قتيلةً بعد أن ساحت دماؤها الحمراء على صفحة البحر.

غير أن الفرحة لم تتم، فما كاد يبحر عائداً إلى الشاطئ ساحباً معه نصره المظفَّر وإنجازه العظيم، حتى جاءت إليه أسماك القرش بعد أن جذبتها رائحة دماء السمكة، مما اضطره إلى خوض صراعٍ شرسٍ آخر ضد الأسماك المفترسة التي جاءت تنهش لحم سمكته العملاقة… ولقد استمر يصارع القروش صراع الأبطال، وطوَّر أسلحةً وأدوات قتلٍ من أشيائه البسيطة التي حملها فوق مركبه، واستطاع بالفعل أن يقتل عدداً من أسماك القرش المهاجمة، لكنه لم يفرغ من ذلك – للأسف – إلا بعد فوات الأوان، ولم ينصرف آخر قرش إلا وقد نُهشت آخر قطعة لحمٍ من السمكة العملاقة، ولم يبق له منها سوى هيكلها العظمي المربوط بواسطة الحبال إلى قاربه…

ولم يعرف سكان الجزيرة وزوارها شيئاً عن ملحمة العجوز العظيمة، وكان كل ما رأوه في نهاية المطاف هو منظرٌ غريبٌ لقاربٍ مهمل، وقد رُبط إليه هيكلٌ عظميٌّ لسمكةٍ (كانت) عملاقة في يوم ما!

.

تعددت تحليلات النقاد لهذه الرواية ذات الحدث الواحد، إلا أن الأمر المؤكد هو أن المؤلف كان يرسم صورةً لنفسه عبر شخصية العجوز، ولعله عبَّر من خلال الرواية عن إحباطاته النفسية العميقة ومخاوفه الدفينة، خاصة وأن المؤلف هو صيادٌ حقيقي، وقد تميز بحدة النظر، وهي صفةٌ من صفات العجوز في الرواية، وقد رُوي عن الكاتب أنه كان يعاني خوفاً مرَضياً غير سويٍّ من الأفول والموت واضمحلال القوى الجسدية والعقلية في سن الشيخوخة، ولعل هذا يفسر كون الرواية مبنية على بطولةٍ خارقةٍ لشيخ طاعن في السن، لكنه مع ذلك محتفظٌ بكافة قواه العضلية والعقلية، فضلاً عن عزيمته الجبارة وإقدامه الشجاع على مواجهة الآلام والمخاطر دون خوفٍ ولا تردد…

ينظر بعض النقاد إلى هذه الرواية على أنها تجلٍّ نرجسيٌّ لكاتبٍ محبطٍ يستدرُّ عطف قرائه، في حين ينظر إليها آخرون من منظار الأدب الرمزي، على اعتبار أننا جميعاً نشبه – بشكلٍ أو بآخر – ذلك العجوز في الرواية، وجميعنا نبحر في الحياة باحثين عن المجد، مقاتلين لأجله، لكن ما من أحدٍ يمكنه أن يهنأ به إن تحصَّل عليه، فلا بد من (أسماك قرش) تعترض سبيلنا في الحياة بعد أن تشم رائحة آثار ذلك النجاح العظيم، ولا بد أن نبذل جميع قوانا في محاربتها حفاظاً على ذلك (المجد) الذي حققناه، لنكتشف أخيراً وبعد (العودة إلى الشاطئ) أننا بإزاء نهايةٍ مأساويةٍ لم تخطر لنا على بال، وأن كل ما تبقى لدينا هو (هيكلٌ عظمي)، حطام! ينظر الناس إليه بازدراء، وبشفقةٍ ربما، يلقون عليه نظرةً عابرةً ثم ينصرفون، دون أن يكون أحدٌ منهم قد شهد قتالنا المرير وكفاحنا الشديد ومعاناتنا الأليمة والطويلة في صناعة المجد والحفاظ عليه…

فكرةٌ سوداويةٌ جداً ومتشائمةٌ لأقصى حد، لكنها ليست غريبةً على كاتب غير سويٍّ من الناحية النفسية، وقد اختار أن ينهي حياته منتحراً بطلقة رصاصة، بعد أن لم يُبقِ له الإحباط والقنوط أي دافعٍ لمواصلة الحياة…

.

رواية (الشيخ والبحر) هي روايةٌ ممتعة، مشوقة، عميقة، وهي رغم ذلك قصيرةٌ لأنها تحتوي على حدث واحد فقط، غير أن المؤلف قد استطاع ببراعةٍ رسم المشاهد بدقةٍ متناهيةٍ وبأقل قدرٍ ممكنٍ من الكلمات، وهو ما يجعلها لوحةً فنيةً رائعةً تستحق – بلا شك – التأمل والاهتمام…

22/04/2016

اكتب تعليقُا »

RSS feed for comments on this post. TrackBack URI

أضف تعليق

أنشئ موقعاً أو مدونة مجانية على ووردبريس.كوم.
Entries و تعليقات feeds.