Dolcy 5 – الفصل الأول: الأبواب المغلقة ~

31/05/2015 عند 16:46 | أرسلت فى فـيـض الـمـداد | 10 تعليقات

.

dolcy-1-abwab

.

(1) – الأبواب المغلقة ~

ليس بوسع الإنسان أن يعرف، في خضمِّ روتين الحياة الذي لا ينتهي، أي مرةٍ ستكون هي الأخيرة!

لا أحد يعرف… متى ستكون آخر مرةٍ يرى فيها تلك العيون والملامح بما تطبعه في النفس من أثرٍ لا ينتهي، أو يوجد فيها في ذلك المكان بمشاهده المتناثرة على قطْر دائرة البصر، أو يسمع فيها ذلك الصوت بأنغامه التي تنفذ من أذنيه إلى روحه، أو يعيش فيها ذلك الجو التي يتوحَّد معه بكلِّ كيانه.

لا أحد يعرف متى تُحدُّ سلسلة اللحظات المتكررة بواحدةٍ تكون هي الأخيرة، ولا يأتي بعدَها مثلُها أبداً ما عاش الإنسانُ وأحرق من فتيل عمره…

ونحن… يوم شربنا آخر قطرةٍ من كوب القهوة في أحد أيام أبريل لعام 2014، ما كنا لنتوقع أو يخطر لنا على بالٍ أن تكون تلك الأمسية هي الأخيرة، ولم يدرْ لي في خيالٍ وأنا أنقد النادل الكهل (سي احمد) دراهمه العشرة، بأنها ستكون المرة الأخيرة التي أراه فيها!

* * *

أخيراً…

قذفتْ بي محطة القطار في طنجة بعد رحلة عملٍ سريعةٍ إلى الدار البيضاء، وخرجتُ من بوابتها حاملاً حقيبتي اليدوية، ومعلِّقاً على كتفي حقيبة الملابس. صار الجو لطيفاً – على ما يبدو – بعد هبوط الليل الذي غلَّف المدينة بملاءته السوداء القاتمة.

تركتُ ورائي حقائب المسافرين المتخمة وعناقاتهم الحارة، وسيارات الأجرة التي تنادي على زبائنها، والسيارات التي جاءت مستقبلةً للعائدين التي تفاوتت مدد غيابهم. كان والدي قد أصرَّ على أن يأتي لاصطحابي إلى المنزل بالسيارة، لكني – كعادتي – طلبت منه ألا يتعب نفسه، لأني لا أقاوم تلك الرغبة الجامحة في المشي وحيداً في طنجة بعد كل سفرٍ أعود منه، وانطلقتُ وسط نسائم مايو الليلية المنعشة، متجهاً نحو موقف سيارات الأجرة في (إيبيريا)، مشياً على الأقدام رغم طول المسافة وتعب السفر.

اشتقتُ لطنجة رغم قصر مدة الغياب، وكنت مستمتعاً بشعور العودة إلى الديار ذاك، عندما تحس بأن كل شيءٍ في مدينتك صار ملكاً لك، وأن كل شيءٍ من حولك صار في متناولك، وأن جميع الأماكن المحبَّبة لك قريبةٌ جداً.

وصلتُ إلى شارع طنجة الرئيسي، والمسمى بعاميتنا – وهو نفسه الاسم الفرنسي -: “البولفار”. الوقت متأخرٌ لكن الشارع لا يزال مزدحماً، ولغط المارة يدغدغ هدوء ذلك الليل المنعش.

طنجة مدينةٌ تحب السهر كثيراً، ولا تنام مبكراً كما هو معلوم… أتساءل تاركاً خلفي محطة الوقود التي اشتهرت بانبعاث تلاوة القرآن منها في كل وقت وحين وعلى مدار الساعة:

– “هل سأجد تلك العصابة من أصدقائي في أماكنهم المعتادة في مقهاهم المعتاد؟ وهل سيكونون – مرة أخرى – رافعين أبصارهم نحو الشاشة وقد انفتحت أفواههم قليلاً في ذهولٍ كامل، بعد أن استحوذت على عقولهم مباراةُ كرةٍ حاميةُ الوطيس؟”

إنني الآن أقترب من المقهى المشؤوم، ألقي نظرةً خاطفةً عليه ثم أجفل فجأة، يا لغرابة المشهد! إن أبوابه مغلقةٌ تماماً…

رفعت بصري في حركةٍ لا إراديةٍ وكأني شككتُ في المكان، لم أغب عن طنجة أكثر من أيامٍ معدودةٍ على كل حال! ومازال ذلك الاسم Dolcy 5 ماثلاً هناك، وإلى جواره نُصب مجسَّمٌ مضحكٌ لمثلجاتٍ تحيط بحوافها مصابيح (النيون) المضيئة، وقد بدا أنه لا علاقة لذلك المجسَّم بسياق المكان، لأن مقهانا العتيق لا تجمعه بعالم المثلجات أي صلة تُذكر!

نظرتُ إلى ساعتي، إنها العاشرة ليلاً، العاشرة الجديدة طبعاً، لأن (الدولة زادت ساعة) كما قال التوأم التطواني! متى يغلق (سي احمد) أبواب المقهى عادةً؟ لا أدري! لكن يخيَّل إلي أن الوقت ما زال مبكراً على الإغلاق.

ألقيتُ نظرةً على الكراسي المكدَّسة وراء الأبواب المغلقة، وعلى الضوء الخافت المنبعث من مطبخ المقهى، وواصلتُ طريقي غير مهتمٍّ بشيء.

في اليوم التالي جاءني الخبر (الفاجع) من عند صديقٍ لي، ألقاه على مسامعي وقد بدت عليه أماراتٌ حقيقيةٌ للحزن والتأثر:

– “صدقني أنا لا أمزح! هذا ما حدث يا صديقي… لقد تم إغلاق مقهى Dolcy إلى الأبد!”

(( يـُــتبع >> ))

10 تعليقات »

RSS feed for comments on this post. TrackBack URI

  1. […] – الفصل الأول: الأبواب المغلقة […]

  2. […] – الفصل الأول: الأبواب المغلقة […]

  3. […] – الفصل الأول: الأبواب المغلقة […]

  4. […] – الفصل الأول: الأبواب المغلقة […]

  5. […] – الفصل الأول: الأبواب المغلقة […]

  6. […] – الفصل الأول: الأبواب المغلقة […]

  7. […] – الفصل الأول: الأبواب المغلقة […]

  8. […] – الفصل الأول: الأبواب المغلقة […]

  9. […] – الفصل الأول: الأبواب المغلقة […]


اترك رداً على Dolcy 5 – الفصل الثامن: الندماء (3) _ أبو محمد السلفي | ●( مدونـة الأيـام البريـئة )● إلغاء الرد

أنشئ موقعاً أو مدونة مجانية على ووردبريس.كوم.
Entries و تعليقات feeds.